” المُقدس” في زمن الذكاء الاصطناعي

عبد الله بوصوف

كانت لحظة إعلان وفاة البابا فرانسيس الثاني في 21 أبريل الماضي…بمثابة إعلان عن انطلاق ترتيبات مرحلة جديدة للكنيسةالكاثوليكية…إذ لم تتوقف الآلة الإعلامية عن إنتاج و تسويق تحاليل و تقارير عن إرث البابا فرانسيس الثاني المشهود له بميله لقضايا السلام و الدفاع عن الفقراء و المهاجرين…و حوار الأديان خاصة مع الإسلام و كلنا يتذكر زيارته التاريخية لمملكة أمير المؤمنين محمد السادس في فبراير من سنة 2020…

لقد اسهب البعض في تفكيك معادلات تركة البابا على مستوى دوره في العلاقات الدولية و المعادلات الجيوستراتيجية و السياسية و الحقوقية…

و تطرق البعض الى الملفات الساخنة التى فتحها البابا بكل جرأة خاصة داخل الكنيسة و هي ملفات مالية و أخلاقية..و كذا أدواره القوية سواء في موجة الهجرة الجماعية لسنة 2015 و نقله لحوالي 12 مهاجر غير قانوني من احدى جزر اليونان الى ايطاليا عبر الطائرة..أو إدارة جائحة الكوفيد 19 و آراءه حول الحرب في أوكرانيا و غزة /فلسطين…

فيما تناول البعض الآخر بكثير من العمق و التحليل مدى تأثير كل هذا التراكم على مُجريات ” الكونكلاف ” المزمع عقده يوم السابع من شهر ماي الجاري…و اعتكاف حوالي 133 كاردينال لتعيين البابا الجديد بصعود الدخان الأبيض…

لكن هناك شيء آخر لا يقل أهمية عن تعيين بابا جديد يقود حوالي 1.4 مليار مسيحي في كل ارجاء العالم من طرف 133 كاردينال كناخبين كبار…إذ يتوقع المتابعين بأن هذا “الكونكلاف ” سيكون الأكثر متابعة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية..بفضل الثورة التكنولوجية و الرقمية..
الشيء الآخر الذي عشناه يوم جنازة البابا فرانسيس الثاني في 26 من أبريل ليس مراسيم دفن رجل دين يقود الكنيسة الكاثوليكية…بل هو الالتزام الحرفي و القوي بكل التفاصيل المرافقة للحدث التاريخي منذ تاريخ إعلان الوفاة و الى يوم تنظيم الجنازة…

لقد شهد العالم مراسيم الجنازة الأهم في ساحة القديس بطرس بروما بحضور 200 الف فرد ، منهم 12 ملك و 55 رئيس دولة و رؤساء حكومات و حجاج و مواطنين…
لم نكن أمام مشهد سينمائي أو سردية سوريالية…لقد كنا في معمة حقيقية و صراع غير معلن بين إعادة إنتاج طقوس وعادات تمتد لأكثر من 2000 سنة من جهة ، و ثورة رقمية و جيل خامس في الاتصالات و جيل الذكاء الاصطناعي في جهة مقابلة…
في مشهد رهيب يغلب عليه الصمت و السواد..أعيدت طقوس و رموز دينية محفورة في الذاكرة الجماعية لمؤمني الكنيسة الكاثوليكية..ففي كل خطوة كانت هناك دلالة و في كل حركة كان هناك معنى و إسقاط تاريخي..وكل الاغاني و الأشعار كانت باللغات القديمة و الللاتينية…

لقد عشنا فصلا جديدا من الصراع الخفي بين مكونات تيارات
العالم الرقمي و الهويات الافتراضية و الذكاءالاصطناعي…التي لم تستطع هزم تيارات ” المقدس ” عند الانسان و لم تستطع هزم اصالته و عراقته أو فصله عن جذوره…لأن كل هذا يقفز عن معادلات المنطق أو نتائج التطور و سرعة الصوت…و لانها بكل بساطة مشتركه الإنساني مع بني جلدته و ” قبيلة انتماءه “…

وهو مشهد مألوف عند الأمم و الشعوب التي لها تاريخ حضاري و تراث إنساني كبير..إذ عشنا نفس السيناريو و بنفس أدوات الصراع الغير المعلن في لحظة الاحتفال بتتويج الملك شارل الثالث في شهر ماي من سنة 2023 بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية…العنوان الكبير هو طقوس و عادات و إعادة إنتاج طقوس تمتد لقرون عديدة صمدت أمام كل شعارات التطور التكنولوجي و الرقمي..كانت لحظات تتويج الملك شارل الثالث رسائل امتداد لملوك حكموا المملكة المتحدة التي لا تغيب عنها الشمس..بحضور تاج القديس ادوارد كأقدم التيجان صنع في المملكة سنة 1661 و كرس التتويج بعمر 700 سنة…مع طقوس ذهن الاساقفة ليد و صدر الملك بالزيت المقدس….
كل هذه الطقوس و العادات بما فيها الملابس و الموسيقى و ترتيب الحضور…تشكل لحظات قوية في تاريخ بريطانيا و في مخيال شعوبها…إذ دونها قد تفقد الملكية في بريطانيا أحد اسباب إمتدادها و جزءا كبيرا من شرعيتها…أي الشرعية التاريخية و الحضارية و الدينية…

و سيظل الصراع بين ثنائيات الخير و الشر و المقدس و المدنس…مادة للمفكرين و الباحثين في العلوم الإنسانية و الاجتماعية…و في لحظات نعتقد بإنكسار المُقدس و قيم الخير و العادات و الطقوس…تنبعث بكل قوة من رماد الصراع و تعلن عن حياة ممكنة لتقاليد و طقوس شعوب عريقة كاليابان و الصين و الهند و بريطانيا و فرنسا و إسبانيا و إيطاليا و المملكةالمغربية….تتشبث بأصولها و حضارتها و غير آبهة بشعارات الثورة الرقمية…عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على المقدسات و الذاكرة التاريخية…

شارك الخبر

ندوة موضوعاتية ضمن أنشطة...

شهدت القاعة الكبرى يبلدية مدينة قلعة مكونة انعقاد ندوة موضوعاتية، ضمن فعاليات الملتقى الدولي لمغاربة...

ندوة موضوعاتية ضمن أنشطة الملتقى الدولي لمغاربة العالم بقلعة مكونة تحت عنوان: “دور مغاربة العالم في التنمية والدفاع عن الوحدة الترابية”

شهدت القاعة الكبرى يبلدية مدينة قلعة مكونة انعقاد ندوة موضوعاتية، ضمن فعاليات الملتقى الدولي لمغاربة العالم، تناولت دور المغاربة المقيمين بالخارج في دعم التنمية...

الإيديولوجيا والدبلوماسية: حين يُقدَّم الدفاع عن الأشخاص على حساب المصالح العليا للوطن

فيصل مرجاني إن من يسعى إلى تبرير سلوك السفير المغربي بواشنطن، يوسف العمراني، عبر الإيحاء بأنه لا يملك صلاحية التصرف إلا بتنسيق مسبق مع دوائر...

الملتقى الدولي لمغاربة العالم بقلعة مكونة: جسر تواصل لتعزيز الوحدة والتنمية في عيد العرش المجيد

تزامناً مع احتفالات الشعب المغربي بعيد العرش المجيد، انطلقت اليوم الإثنين 5 غشت 2025 بمدينة قلعة مكونة فعاليات الملتقى الدولي لمغاربة العالم، التي تمتد...

الأجنحة تربط القلوب: أول رحلة طيران مباشرة بين السودان ورواندا

(كتبه محمد عثمان ، من روانداـ كيغالي) حدث تاريخي في سماء أفريقيافي امسية تاريخية بكيغالي الموافق الاربعاء التاسع من يوليو 2025، ارتفعت هتافات الابتهاج في...

ندوة موضوعاتية ضمن أنشطة الملتقى...

شهدت القاعة الكبرى يبلدية مدينة قلعة مكونة انعقاد ندوة موضوعاتية، ضمن فعاليات الملتقى الدولي لمغاربة العالم، تناولت دور المغاربة...

الإيديولوجيا والدبلوماسية: حين يُقدَّم الدفاع...

فيصل مرجاني إن من يسعى إلى تبرير سلوك السفير المغربي بواشنطن، يوسف العمراني، عبر الإيحاء بأنه لا يملك صلاحية التصرف...

الملتقى الدولي لمغاربة العالم بقلعة...

تزامناً مع احتفالات الشعب المغربي بعيد العرش المجيد، انطلقت اليوم الإثنين 5 غشت 2025 بمدينة قلعة مكونة فعاليات الملتقى...

زهراء درير تفاجئ جمهورها بعمل...

تستعد الفنانة المتألقة زهراء درير لإطلاق أغنيتها الجديدة التي تحمل عنوان "دوماج"، والتي تأتي بحلّة مختلفة ومميزة عن أعمالها...

الفن والتاريخ في سياق المقاومة الوطنية: بوصوف يسلط الضوء على دور الإبداع في معركة التحرر

في إطار الندوة الوطنية التي نظمتها المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تحت عنوان: "الفن والتاريخ: المقاومة الوطنية أفقًا للتفكير"، ألقى الدكتور عبد...

عبد العالي رحماني يكتب: النقاب بين الحرية وتهديد الحرية

لاشك أن الجمهور لاحظ في الآونة الأخيرة انتشارا لما يدعى النقاب.والذي بدأ ينتشر في مدننا وشوارعنا وحتى في مدارسنا، وبدأ يعطي الانطباع أننا في...

عندما يتحول “الأستاذ” الجامعي من البحث العلمي إلى مجرد “فراقشي” يبيع ويشتري في الشواهد والدرجات!

إبراهيم بن مدان ذات مرة نطق المفكر لينين بحكمة بليغة قائلا: "المثقفون هم أقدر الناس على الخيانة؛ لأنهم أقدر الناس على تبريرها". هذه المقولة استحضرتها...

الموهبة بين القيد والحرية: من يحق له أن يكون فناناً في عالم الأحكام الجاهزة؟

فيصل مرجاني  إنّ اختزال الإنسان في مساره الأكاديمي أو خلفيته الاجتماعية هو إمعان في نفي فردانيته ومحو استقلاليته بوصفه كائناً يمتلك إرادة حرة وقدرة على...

المجهود الخفي: عندما يكون كونك شخصاً عادياً إنجازاً استثنائياً

*اجدي محسنطالب دكتوراه بجامعة سيدي محمد بنعبد الله بفاس في عالم يلهث خلف الاستثناء والتميز، يغيب عنا أحياناً تقدير الجهد الخفي الذي يبذله البعض فقط...

المغرب بعد خطاب 9 مارس 2011: التغييرات الدستورية والسياسية والنجاحات المستدامة

فيصل مرجاني يعد خطاب 9 مارس 2011 لحظة تأسيسية في التاريخ السياسي المغربي، إذ مثَّل انعطافة حاسمة في مسار التحديث المؤسساتي وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة،...